معتصمى مخيمات السلام امام ماسبيرو

وجدوا أنفسهم مطرودين من منازلهم بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير، فلجأوا لميدان التحرير، جمعوا بعض أمتعتهم وذهبوا إلى الميدان، جلسوا كتفاً بكتف بجوار شباب الثورة، وإن كانت أهدافهم مختلفة، فالميدان لم يكن يمثل لهم سوى مكان للمبيت أو ساحة لانتظار الرئيس الجديد الذى ستأتى به إرادة الشعب وتأتى معه مطالبهم بتوفير وحدات سكنية يحتمون بها من وحشة الشوارع، بحسب كلام زينب محمود رضوان.

فزينب التى تم طردها من الحجرة التى تستأجرها وتحوى جدرانها ابنتيها الصغيرتين، بحجة أنها ربما تستولى عليها، تقول: «بعدما طردنا صاحب الحجرة يوم ٢٨ يناير خوفاً من أن نستولى عليها وتصبح ملكا لنا، لم نجد أمامنا سوى ميدان التحرير لكى نتخذه مبيتا لنا، وهناك التقينا أنا وجيرانى من مدينة السلام الذين تم طردهم مثلى بالدكتور عصام شرف ووعدنا وقتها بأنه سيدرس أوضاعنا وسيتم منحنا وحدات سكنية فى ٤ يونيو الجارى على أن يتم نقلنا إلى مخيم فى مدينة النهضة بشكل مؤقت».

تضيف زينب، التى تركها زوجها منذ ٦ سنوات بعد إصابتها بورم فى المعدة، تبعتها عملية إزالة الطحال، تاركاً على كاهلها مسؤولية ابنتيها: «بالفعل توجهنا إلى المخيم وتم وضع كل ١٠ أسرة فى خيمة صغيرة، وبرغم صعوبة الوضع تحملناً أملا فى الحصول على وحدة سكنية أو على الأقل ٤ حيطان تلمنى أنا وبناتى ولكننا فوجئنا بعد ذلك أن الـ١٣٦٠ أسرة الموجودين فى المخيم لم يختاروا منهم سوى ١٠ أسر فقط وبقية الأسر من خارج المخيم، وهنا لم نجد أمامنا سوى الاعتصام أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون لعل أى مسؤول يستمع إلينا أو ينظر إلى مطالبنا».

وبرغم اعتراف زينب بأن قطع الطريق وتعطيل المرور أكثر من مرة أمر غير حضارى أو إنسانى فإنها تبرر ذلك قائلة: «بقالنا ١١ يوم مرميين فى الشارع واعتصامنا بشكل سلمى ولكن لم ينظر إلينا أحد من المسؤولين فلم نجد أمامنا سوى قطع الطريق»، وتستطرد: «هو إحنا مش مصريين.. دا الشباب فى التحرير كانوا بيقولوا عيش حرية عدالة اجتماعية وإحنا من ساعتها ولحد دلوقتى لا شوفنا لا عيش ولا حرية ولا حتى عدالة اجتماعية».

تلتقط نجية حسين أطراف الحديث من زينب قائلة: «أنا أرملة ومعايا ٧ بنات و٣ أولاد وبنتى فى ٣ ثانوى، مش عارفة أروح بيها فين، ودتها مخيم النهضة مع إخوتها الولاد حتى لا يمسها أحد بسوء، خاصة بعد حالات الاغتصاب التى تعرض لها بنات فى المخيمات التى تركنا فيها الدكتور عصام شرف أملاً فى منحنا وحدات سكنية جديدة». تضيف السيدة الخمسينية: «المخيمات مليانة مشاكل تخيلى إنتى إزاى تنامى فى خيمة فيها ١٠ أسر غيرك تنامى فى وسط رجالة أغراب وإزاى تأمنى على بناتك بس رضينا واستحملنا ٤ شهور على الوضع دا وفى الآخر الوحدات السكنية راحت لناس تانية غير اللى ساكنة معانا فى المخيم».

تصمت «نجية» قليلاً وتقلب فى إحدى الحقائب البلاستيكية السوداء ثم تخرج تقارير منها طبية تدل على إصابتها بمرض السكرى وأخرى اجتماعية تثبت أنها مطلقة وتعول ١٠ أولاد، مرددة: «أنا كل يوم تقريباً بصرف فلوسى على دخول الحمامات أصل مرض السكر صعب أوى ودخول الحمام معناه إنى لازم أدفع جنيه ونص كل يوم يعنى الواحد كمان مش لاقى ياكل ومش لاقى يدخل الحمامات».

تضيف نجية: «الواحد حالته كرب ورغم إن بتوع البحوث نزلوا وشافوا حالتنا الشقق راحت لناس تانى غيرنا.. دا أنا حتى أخويا اللى اطرد زى وكان معايا فى الخيمة قاعد دلوقتى فى مستشفى قصر العينى بعد ما قطعوا له رجليه لأنه كان عنده غرغرينا.. الواحد والله مش عارف يروح فين ويجى منين.. فرحنا بالثورة وبالكلام الحلو اللى سمعناه فى التحرير بس للأسف طلع يا بنتى مجرد كلام». صرخات وتأوهات قطعت حديث نجية ليجرى الجميع فى اتجاه الصوت، لنجد أحد شباب المخيم مفترشاً الطريق وسيارة الإسعاف إلى جواره، فوفقاً لرواية الشهود فإن سيارة دهسته بعدما اعترض طريقها فى محاولة منه لقطع الطريق، هذا الحادث واحد من بين عشرات الحوادث التى يتعرض لها أهالى مدينة السلام أثناء اعتصامهم.

فقبل ٥ أيام سقط واحد من الأهالى فى النيل عندما كان يغسل وجهه، فبحسب كلام عبير سعد إحدى المعتصمات، فإن جلال اضطر إلى النزول وغسل وجهه بمياه النيل بعدما فشل فى دخول دورة المياه الموجودة فى التحرير، فوقع غارقاً ولم يجد من ينقذه وبعد ٣ أيام تم استخراج بقايا جثته تاركاً زوجته حاملاً ومعها طفل لم يكمل عامه الثانى. فى الخيام التى نصبها الأهالى على كورنيش النيل، وقفت رضا حمدى، فتاة عشرينية تحكم لف الملايات على السور الحديدى للكورنيش فى محاولة منها لسترها هى وجاراتها وحتى تمنع هواء النيل من اختراق صدر طفلتها «ريتاج»، صاحبة الستة أشهر، قائلة: «الناس فاكرة إن نومنا فى المكان دا سهل للأسف كل يوم بنتعرض لمضايقات من الشباب آخرها مجموعة الشباب الذين استأجروا مركباً فى النيل ووقفوا أمام خيمتنا وأخذوا يسبوننا بأبشع الألفاط بل وقام بعضهم بخلع ملابسه أمامنا».

رواية رضا رصدتها «المصرى اليوم» فأثناء حديثنا معنا وجدنا مجموعة من الشباب بعضهم استقل مركباً ووقف أمام الخيام وبدأ يمارس عاداته فى السب والقذف بينما قام آخرون فعلاً بخلع ملابسهم أمام السيدات، وهو ما جعل صاحب أحد المراكب يتتبعهم وأمرهم بمغادرة المكان فوراً. تحكى رضا قصتها مع الاعتصام وكيف انضمت إلى الأسر أمام ماسبيرو قائلة: «طردنى صاحب الشقة التى كنت أستأجرها بنظام الإيجار الجديد بعد قيام الثورة مباشرة، بحجة أنه سمع أنه من حق الأهالى الذين يسكنون الإيجار الجديد أن يتملكوا تلك الوحدات».

تضيف رضا: «تفاوضنا مع المالك أكثر من مرة ولكنه لم يستجب لنا فطردنى أنا وطفلتى التى كانت تعانى من مرض صدرى دخلت على إثره الحضانة لمدة ٣ أيام كلفتنى وقتها ٤ آلاف جنيه جمعتها من بيع أثاث منزلى ولم يتبق لنا سوى دولاب يضم ما تبقى من ملابسنا».

توجهت رضا للجلوس مع زوج والدتها فى شقته لتبدأ المشاكل، بحسب روايتها، فزوج والدتها يعانى مرض ألزهايمر وهو ما أثر بشكل مباشر على رضيعتها قائلة: «أخاف على ابنتى من جدها ففى إحدى المرات نزلت للتسوق وعدت لم أجد الطفلة وأخذت أبحث عنها مراراً حتى وجدتها تحت السرير ومرة أخرى قام بوضعها على باب الشقة.

تضيف «رضا»: «انضمميت إلى الأسر بعدما تقدمت بطلب إلى محافظة القاهرة لحصولى على وحدة سكنية ليقوموا بنقلى إلى مخيم مدينة النهضة وأجد نفسى مقيمة مع ١٠ أسر فى خيمة واحدة تحملنا أملاً فى تحقيق وعد الدكتور عصام شرف بحصولنا على شقق ولكننا لم نر شيئاً حتى الآن، فكل ما نسمعه حتى الآن كلام فى كلام».

تحكى «رضا» ظروف معايشتها فى الشارع قائلة: «الجميع هنا يستحقروننا فالمارة لا يقدرون ما نمر به فالإعلام أظهر صورتنا على أننا بلطجية وكأننا لسنا مصريين أو كأن الثورة التى قامت لم تأخذنا معها فى الحسبان، تحملنا وعوداً كثيرة وتحملنا الحكومة ٤ شهور عشان البلد بتمر بظروف صعبة بس إحنا جزء من البلد، الدكتور عصام شرف مسافر وراح يحل مشاكلنا مع أفريقيا وأنا بقوله إزاى يا دكتور تحل مشاكلك الخارجية وأنت مش قادر تحل مشاكل أهلك إحنا مش طالبين كتير إحنا طالبين ٤ حيطان تلمنا من بهدلة الشوارع».